توقع البعض بدء انتهاء هيمنة الدولار الأمريكي بعد الأزمة الماليّة العالميّة في 2008. وأدى تجميد احتياطيات روسيا بالدولار عقب الصراع الروسي الأوكراني إلى إعادة إحياء هذا التوقّع.
يتطرّق هذا المقال إلى تاريخ الدولار الأمريكي كعملة احتياطيات والاعتبارات التي قد تُحدّد مستقبله.
قرن الدولار
خرجت الولايات المتحدة من الحرب العالميّة الثانية كالقوّة العظمى الرائدة في النصف الغربي للكرة الأرضيّة. في مؤتمر بريتون وودز (Bretton Woods Conference المعروف أيضاً بالمؤتمر النقدي والمالي للأمم المتحدة) في 1944، وافقت 44 دولة على ربط عملاتها بالدولار الأمريكي، حيث تشتري البنوك المركزية للدول الموقّعة الدولار الأمريكي وتبيعه بعملتها الخاصّة لتثبيت سعر الصرف وتحقيق استقرار التجارة الدولية.
في تلك الفترة، كانت الولايات المتحدة تتحكّم بثلاثة أرباع إمدادات الذهب العالميّة[3] ودُعمت قيمة الدولار الأمريكي بالذهب. استمرّ النظام المعروف بـ"قاعدة الذهب" حتّى تخلي الرئيس ريتشارد نيكسون عنه في 1971 نتيجة مشاكل اقتصاديّة عالمية ومحلية كثيرة.
حافظ الدولار الأمريكي على مكانته كالعملة الأكثر شعبيّة في العالم من حيث التداول وكمخزن للقيمة حتّى بعد حلّ "قاعدة الذهب" بكثير. وكان مصدّرو النفط يحصلون على مدفوعاتهم بالدولار الأمريكي الذي أصبح يُعرف بـ"البترودولار".
سُحُب في الأفق
قد تكون توقعات انهيار الدولار الأمريكي مبالغة، ولكنّ هيمنته لسيت مؤكدة إطلاقا على الأمد البعيد. فدون دعم العملة بسلعة ملموسة كالذهب، تعتمد الثقة بها على الكيان الذي يصدرها.
مؤخراً، أشار البنك الاستثماري الأمريكي Goldman Sachs أنّ الدين الأجنبي الضخم للحكومة الأمريكيّة مقارنةً بالناتج المحلّي الإجمالي يشبه وضع بريطانيا في أوائل القرن العشرين قبل أن يفقد الجنيه الإسترليني البريطاني موقعه كالعملة المعتمدة للاحتياطات العالميّة.[4]
وفي العقدَين الماضيَين، تراجعت حصّة الدولار الأمريكي في الاحتياطات الأجنبية من 71% في 1999 (عند إطلاق اليورو) إلى 59%.
المصدر: IMF and Financial Times
المنافسون المحتملون
يُشكّل اليورو ثاني أكبر عملة للاحتياطيات، غير أنّ الرنمينبي الصيني قد يصبح عملة الاحتياطيّات العالميّة المرتقبة.
ففي حين تواجه أوروبا خطر ازدياد حزم روسيا، قد تستفيد الصين من هذه التوترات الجيوسياسيّة. وطوّرت الصين نظام المدفوعات العابرة للحدود بين المصارف (CIPS) الذي يتيح تحويلات دوليّة للمدفوعات محتسبة باليوان في 100 دولة.[5]
لا يزال هذا النظام صغيراً مقارنةً بشبكة SWIFT، إلّا أنّ حظر SWIFT للبنوك الروسيّة قد يؤدي إلى اعتماد عدد أكبر من الدول لنظام CIPS لتجنّب إجراءات مماثلة من الولايات المتحدة. قد يهدّد ذلك مكانة الدولار الأمريكي كالعملة الرائدة للمدفوعات العالمية.
مستقبل غير مؤكد
أدّت العولمة إلى تعزيز الترابط بين الدول على مستوى الاحتياطيات الوطنيّة والتجارة، حيث يميل قانون الميزة النسبية إلى تركيز إمداد بعض السلع والبضائع في عدد قليل من البلدان.
المصدر: Bloomberg
يُبيّن الرسم البياني أعلاه أنّ تُعرّض الصين للدولار الأمريكي يبلغ 3,2 تريليون دولار، ما يعطيها مصلحة معتبرة في استمرارية الحكومة الأمريكيّة واقتصادها.
أهمّ من ذلك، لو أصبح الرنمينبي الصيني عملة الاحتياطيات العالميّة الرائدة، ستنخفض سيطرة الصين عليه. وسيسبب ذلك مشكلة للصين نظرًا لمستوى التحكّم الذي تحتاجه الدولة على اقتصادها المحلي ونظامها المالي.
خلاصة
لا ينبئ تراجع هيمنة الدولار الأمريكي بانهياره الوشيك. لأن الفصل المطلوب لتحويل الهيمنة إلى عملة أخرى سيستغرق سنوات كثيرة.
إضافة إلى ذلك، لن يُخفّف تحويل الهيمنة من عملة إلى أخرى من استخدام العملة المهيمنة للضغط الجيوسياسي. وقد يكون السيناريو المحتمل الانتقال من هيمنة عالميّة إلى هيمنة إقليميّة، ما قد يخفّف نفوذ الدولار الأمريكي عوضاً عن استبداله.
بيّن التاريخ أنّ أسواق العملات ليست دائماً منطقيّة، وأنّ التغيير قد يكون بطيئاً. في غضون ذلك، يبقى الدولار الأمريكي العملة السائدة.