التغيّر في التركيز
تطرّق مقالنا السابق إلى كلمة رئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول المقتضبة لكن المؤثّرة في منتدى السياسات الاقتصاديّة في جاكسون هول حيث أشار بوضوح إلى انتقال تركيز المؤسّسة حاليّاً من المخاوف بشأن التضخّم إلى المخاوف بشأن الوظائف.
قال إنّ الفدرالي "لا يسعى إلى تحقيق المزيد من التباطؤ في سوق العمل ولا يُرحّب به" موضحاً بأنّ خفض أسعار الفائدة أصبح من جديد موضوع بحث جدّي.[1] وأعرب منذ ذلك الوقت أعضاء آخرون في اللّجنة الفدراليّة عن وجهات نظرهم بأنّ خفض أسعار الفائدة في الاجتماع المقبل أصبح الآن شبه مؤكّد.[2]
لغاية وقت كتابة هذا المقال، يناقش السوق ما إذا كانت أسعار الفائدة ستُخفّض في اجتماع سبتمبر بنسبة 0,25% أو 0,50%. الاعتقاد السائد هو أنّ أسعار الفائدة ستُخفّض بنقطتين مئويّتين كاملتين على الأقلّ بحلول نهاية العام المقبل.[3]
القوى الدافعة
توقّع الكثيرون أنّ الفدرالي سيُرغم على خفض أسعار الفائدة في وقت أبكر بكثير لتفادي حصول ركود. حتّى الآن، كان الاقتصاد الأمريكي مرناً للغاية رغم ارتفاع أسعار الفائدة.
أثارت بيانات الوظائف ليوليو بعض القلق، بحيث ارتفعت إلى 4,3%.[4] وفي حين تُعدّ نسبة البطالة منخفضةً مقارنةً بالمستويات التاريخيّة، إلّا أنّ ارتفاعها عادةً ما يؤشر إلى تباطؤ في الاقتصاد. بالإضافة إلى ذلك، أظهر تعديل الأرقام الرسميّة أنّ الولايات المتّحدة أضافت وظائف أقلّ بحوالي 800 ألف وظيفة مقارنةً بالعدد الذي أُعلن عنه في الأشهر الستّة الماضية.[5]
أظهرت أحدث بيانات الوظائف لأغسطس انخفاضاً طفيفاً في نسبة البطالة إلى 4,2%، لكنّ تقديرات النموّ ليونيو ويوليو عُدّلت نزولاً بما يساوي 86 ألف وظيفة.[6] وقال مسؤولٌ في الفدرالي إنّ البيانات تعني أنّ سوق العمل "يستمرّ بالتراجع لكن من دون أن يتدهور".[7]
مصدر الرسم البياني: Wall Street Journal
في الوقت نفسه، يبدو أنّ التضخّم يقترب من هدفه، مع تسجيل التضخّم لمؤشر النفقات الأساسيّة للاستهلاك الشخصي (PCE) نسبة 2,6% وتراجعه مع مرور الوقت.[8] ونظراً إلى أنّ تأثير أسعار الفائدة على التضخّم يأتي متأخراً، يحتاج الفدرالي إلى وضع خطوات مسبقة كثيرة عندما يتعلّق الأمر بالموازنة بين مهمتَي تثبيت الأسعار والتوظيف الكامل. وقد يكون الآن هو الوقت المناسب لاتّخاذ إجراءاتٍ حاسمة.
المصدر: مكتب إحصاءات العمل في الولايات المتّحدة
الخلاصة
ثمّة الكثير من العوامل التي يصعب التنبّؤ بها في الوقت القادم. على سبيل المثال، قد تؤثّر نتيجة الانتخابات الرئاسيّة الأمريكيّة التي ستجري في وقت لاحق من هذا العام بشكلٍ كبير على السياسة النقديّة الأمريكية وعلى الاقتصاد بشكلٍ عام.[9]
مع ذلك، يكون لدى المستثمرين على المدى الطويل ميزة النظر إلى ما هو أبعد من المدى القصير، أي الصورة الأكبر. أحد الأسئلة المثيرة للاهتمام التي ينبغي التمعن فيها هو، ما سعر الفائدة "المُحايد" الحقيقي، أو بعبارة أخرى، أين يتّجه الاحتياطي الفدرالي في نهاية المطاف؟ السعر المُحايد هو مستوى الفائدة الذي لا يُحفّز النشاط الاقتصادي ولا يقيّده، وغالباً ما يُعتبر نقطة التوازن التي تهدف البنوك المركزيّة إلى تحقيقها على المدى الطويل. فهل نعود إلى بيئة أسعار الفائدة المنخفضة للغاية (التي شهدناها بين 2000 و2020) أو إلى مستوى أقرب إلى ذلك الذي شهدناه في التسعينات؟
هذا السؤال معقّد للغاية وتقوده اتّجاهات كبرى بدلاً من الصدمات قصيرة الأجل (اقرأوا وجهات نظرنا الخاصة هنا وهنا). عبر التركيز على مثل هذه المسائل واسعة النطاق، من المرجّح أن نرصد فرص التفوّق المستدام في الأداء (كالقطاعات الجديدة والمرنة)، بدلاً من الوقوع ضحيّة السلوك غير العقلاني لمعظم الناس.
[1] الاحتياطي الفدرالي الأمريكي